يتبيّن للمتابع خلال الفترة الأخيرة للشّأن الديبلوماسي في ظلّ قيادة وزير الشؤون الخارجية “صبري بوقدوم” جيّدا وفاء الجزائر لأدبيات السياسة الخارجية التي بصمت بها مواقفها منذ أن استرجعت سيادتها على ترابها، حيث يلاحظ فئتين من الأهداف الرئيسة التي تسعى إلى تحقيقها في مواقفها، أولى الأهداف تلك التي تخدم المصالح الذّاتية والقومية والإقليمية للدول الجارة حدودا والمجاورة قاريا، إلى الدعوة نحو الحفاظ وحماية السيادة الإقليمية ودعم الأمن القومي وتنمية كل ما يدخل في إطار المصالح الحيوية للدولة، أمّا الوجه الثاني من مواقفها فيتجسد ضمن أهداف الغايات القومية ذات النزعة المثالية ومن ضمنها الرغبة في دعم السلام العالمي وتمكين حكم القانون والعدالة الدولية وكذا دعم حق الشعوب في تقرير مصيرها وغيرها من المبادئ الإنسانية وفق القانون الدولي.
فعلى هذا النهج عملت الماكنة الديبلوماسية خلال الفترة الأخيرة على المطالبة بتحقيق مطالب القارة الإفريقية وشعوبها تعبيرا عن دورها الذي كان وما يزال واضحا وبالخصوص في ما يتعلق بإيجاد حلول للقضايا الإفريقية – إفريقية على مستوى دول الساحل أو الإفريقية- عربية بخصوص قضية الدولة الشقيقة ليبيا، أو العلاقات الإفريقية الدولية في دعوتها إلى تمثيلية إفريقيا الدائم بمجلس الأمن…
وبذلك تدرك الجزائر دورها في إرساء منظومة للاستقرار في العمق الإفريقي على الرغم من هشاشة بعض الدول المجاورة من الناحية الأمنية والاقتصادية مما يستوجب عليها المساهمة في بسط يد العون إليها لبناء اقتصادها وإعادة إرساء منظومتها الأمنية، حيث تُظهر جميع المؤشرات على أنها ستصبح في المستقبل الحاضنة الاستراتيجية لجميع عوامل الفشل والتهديد العنفي.
و يرى الدكتور “عمر بوريشة” في دراسة له حول “العلاقات السياسية والدبلوماسية الجزائرية الإفريقية” على أنّه بـ “الرغم من المنافسة التي تتلقاها الجزائر من عدّة دول بخصوص هذا الدور الثابت لها في إفريقيا، إلاّ أن ذلك لم يثن من عزيمتها، بل بالعكس كانت هذه المنافسة دفعا قويا لها واختبارا لصدق مبادئها الثابتة المكرسة لخدمة إفريقيا والشعوب المظلومة والمضطهدة في العالم القد دافعت الجزائر بقوّة، من خلال أطروحاتها العديدة في المجال السياسي، الاقتصادي والثقافي بغية تغيير بعض المفاهيم، خصوصا السياسة والاقتصادية والثقافية التي كانت وما زالت تسيطر على العلاقات الدولية بما يتماشى ومصالح المجموعة الدولية التي تنتمي إليها”، موضحا أنّ هذا ما مكّنها من أن تذهب بعيدا عبر نشاطها في العديد من المناطق القريبة منها والبعيدة تاركت ورائها آثارا متفاوتة وما تزال محل إشادة وتذكير من قبل بعض الوحدات الدولية والمنظمات الحكومية وغير الحكومية والعديد من القوى السياسية المجتمعية عبر قارات العالم ودوله.
هذا ما يلاحظ جليا في نتائج النشاط السياسي بشأن القضية اللّيبية مؤخرا بعودة الجزائر إلى الساحة التي مرّت في عقود قليلة من البلد الرائد لحركة عدم الانحياز أمام شبح الوضع الجيوسياسي المتعدّد الاضطرابات الصامتة والمعلنة، حيث أظهرت الدبلوماسية الجزائرية في الأسابيع الأخيرة نشاطًا مميزا على الساحة الدولية من خلال مشاركة وزير الشؤون الخارجية صبري بوقدوم في الاجتماع غير العادي لمجلس جامعة الدول العربية إلى اتصاله الهاتفي مع نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي المنتخب “موسى الكوني”، والذي أعرب له عن استعداد الجزائر الكامل للتعاون مع السلطة التنفيذية المؤقّتة بليبيا بما يحقّق الأمن والاستقرار في هذا البلد، دون أن نهمل ما قامت به الحكومة الجزائرية بتدبير حركة دبلوماسية لاستعادة الحوار الدولي، من خلال تقديم رؤيتها للصراع إلى قادة أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط…
وتبقى مواقف الجزائر بشكل واضح في حالة النزاع بدولة المالي – بلغة العرف الدبلوماسي – مبنية على نظرة المتغيّر المتعلق بالأمن والحفاظ على الوجود القومي، فما هو جارٍ في شمال مالي هو شأن حيوي بالنسبة لاستقرار الجزائر وأمنها الوطني، من هنا جاءت زيارة وزير الشؤون الخارجية “صبري بوقدوم” إلى هذا البلد الجار أين عقد عدّة لقاءات ومشاورات وحظي بمقابلة رئيس الدولة “به نداو” حول سبل تعزيز السلم والمصالحة الوطنية في مالي، حيث يُصنف كل ذلك ضمن عقيدة الجزائر في الحفاظ على تماسكها الجغرافي والاجتماعي في عمقها الحيوي المتمثل في الحفاظ على ما يجمعها من حدود بمنطقة الصحراء.
والأكيد أن حركة الدبلوماسية في إطار السياسة الخارجية الجزائرية الحالية بإدارة ” صبري بوقدوم ” تتّجه مباشرة للعب أدوار فعالة في القارّة الإفريقية، على اعتبار أنّ التأثير القاري في المرحلة الراهنة حسب خبراء الدبلوماسية هو الوحيد الذي يوصل الجزائر إلى لعب الأدوار الفعالة على المستوى الدولي، فمنطقة إفريقيا تمثل التحدي بالنسبة لاستراتيجيتها الشاملة خاصة بما يتعلق بالآليات المعتمد على مدى نجاح هذه الحركة في الوصول للمبتغى السياسي والاقتصادي والأمني المنشود…
أخبار دزاير: بوبكر سكيني