عجز النخبة على استيعاب لحظة الوعي الفارقة وترجمتها الى آراء واقتراحات تعبر عن طموحات المجتمع وتأطر حراكه للوصول إلى هدف التغيير وانحيازها الواضح وانكفائها على نفسها في تعال مقيت غير مبرر .. يدفع إلى طرح سؤال ماهو دور النخب ولماذا هذا الانقطاع والتباعد الظاهر جليا بينها وبين المجتمع ؟؟
بالعودة إلى تردد هذا المصطلح الذي بدأ في الظهور في فترة معينة من تاريخ الجزائر، فقد ذكر الأستاذ أبو القاسم سعد الله في كتابه الحركة الوطنية الجزائرية كيف انها كانت ( النخبة) مناهضة للمحافظين وأورد قول جورج مارسي في تعريفه للنخبة وتعريف علي مراد ولوري -بوليو المؤرخ الفرنسي الذي سمى جماعة النخبة الحزائريين ( المتأوربين)، وكذلك الكاتب الفرنسي جون جوريس الذي وصفهم بأناس ضائعين بين حضارتين ، خلافا للنخبة التقليدية إذا جاز التعبير التى حافظت على انتمائها الحضاري، كما ذكر كذلك الدكتور عبد القادر حلوش في كتابه ” سياسة فرنسا التعليمية في الجزائر” أن هناك نخبة متوسطة التعليم لظروف يعرفها الجميع ونخبة متفرنسة نالت قسطا وافرا من التعليم معرجا على دور النخبة الأولى التي قادت التيار الاستقلالي في الحركة الوطنية ، كما تطرق أيضا الدكتور طالب الإبراهيمي في كتابه من تصفية الاستعمار إلى الثورة الثقافية ( فليس من المستغرب بعد هذا أن نجد هؤلاء الحزائريين يقدسون أعلام الفكر الأجنبي ولا يعرفون بأن ديكارت سبقه الغزالي وأن فيكو سبقه ابن خلدون وأن كلود برنار سبقه ابن سينا وأن دانتي سبقه المقري وأن لامارتين سبقه عمر بن ابي ربيعه).
المؤرخ محمد حربي في تقديمه لكتاب غي برفيليي (النخبة الجزائرية الفرنكوفونية) يقول مايلي : ونجم عن تسارع الأحداث وما اكتنفها من ظروف الهيمنة وانهدام البنية الثقافية وانحسار فضاء الثقافة الإسلامية وتراجع اللغة العربية أمام انتشار الثقافة الفرنسية، أن الصدمات النفسية التى أعقبت تلك الرّجة ماتزال حية في النفوس إلى اليوم فكأنما الماضي لا يزال حاضرا ….
مضيفا أن فريقا من الجزائريين قد اختلطت عليهم المفاهيم الثقافية والقيم الاجتماعية، لقد كان وقع الانهيار شديدا إلى درجة أنهم الآن يعانون صعوبة في استحضار ماضيهم والنظر إليه نظرة موضوعية ولاتزال رحى الخلاف والتصادم تدور بينهم بسب تلك الذكريات الأليمة، موضحا أن الحدود اللغوية تظل على الدوام حاضرة وفعالة لأنها بمثابة حاجز يحول دون تصدع الكتلتين الثقافيتين وتمنع انصهارهما في مجموعة أمثل لا يمكن أن تكون لغتها غير اللغة العربية ..
وما يلاحظ أن النخبة الثانية المتحكمة في زمام الأمور والمسيطرة على المشهد بما توفر لها من إمكانات وبما تراه واجبا عليها أدؤه وقناعتها الراسخة برسالة وجب عليها تبليغها بكل الطرق والوسائل ، بخلاف النخبة الأصيلة المتشبعة بقيم المجتمع وروحه مهمشة يضيق هامش المناورة لديها مشتتة على كذا تيار، مما جعلها تعجز عن مسايرة والتعبير عن تطلعات المجتمع .
ويرى الدكتور السعيد بوطاجين أن هناك نوع من الانفصال بين النخب والمحيط الخارجي وهذا لاعتبارات منها عدم نزول النخب إلى الشارع والبقاء في الكتب والنظريات دون الاحتكاك بالواقع الفعلي الذي تعيشه الأمة مما يوحي بنوع من الاستعلاء ، واستيراد النخب لمنظورات غيرية لا تتماشى وواقع الحال .
بينما يذهب الدكتور محند ارزقي فراد إلى أن طغيان الخطاب الشعبوي الأيديولوجي الضيق المدغدغ للعواطف وتراجع الخطاب المعرفي المتزن الذي يخاطب العقل مرجعاً فشل النخب في مرافقة الحراك المجتمعي بالدرجة الأولى إلى فضاءات الحرية الضرورية للمثقف.
على النخب الأصيلة المتشبعة بقيم الأمة والمنفتحة على تجارب الآخر أن تظطلع بدورها الحضاري في توجيه وتأطير حركة المجتمع بما يخدم تطلعاته وحلمه المشروع في بناء غد أفضل وأن لا تبقى على الهامش تلعب دور المتفرج وان تتخطى حاجز التيارات والتصنيفات التى عمرت طويلا ومنعت بروز نخبة تضع الخلاف جانبا من أجل هدف أسمى ..
مراد بوربون يقول : إن الشجرة اختارت غابتها والنغمة اختارت سيمفونيتها.. لا يمكن أن يفهمني ولا يمكن أن أفهم غير أهلي …
مانريده : نخبة أصيلة متفتحة متماهية مع تطلعات مجتمعها تدافع عن مقومات هويته، ترسم معالم نهضته مدركة حجم تحديات الراهن.
بقلم الكاتب: سعيد عياشي